خامساً: إكرام العظماء:
الإنسان إذا كان غنياً عليه أن يستخدم غناه في طاعة الله، فيكرم أهل العلم والصالحين, ويفرح إذا قدم عليه الضيوف الصالحون، ولهذا أبو الهيثم فرح جداً بقدوم النبي - عليه الصلاة والسلام - وقام يعتنقه وقال: من أكرم أضيافاً مني، أي: لا أحد اليوم أكرم أضيافاً من محمد - صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر، من بقي أكرم أضياف من هؤلاء؟لا أحد! وهذا الإكرام والفرح من علامات الإيمان، إذ جاؤوا من غير دعوة بل مفاجأة فهذا أمر سار لدى المؤمن.
سادساً: الكلام مع المرأة الأجنبية:
يجوز الكلام مع المرأة الأجنبية إذا كان بغير فتنة، ولا محذور شرعي، فالنبي - صلى الله عليه وسلم- لما جاء إلى هذا الرجل، قال للمرأة: (أين صاحبك) والصاحب هو الزوج، والدليل على أن الزوج يسمى صاحباً أو الزوجة تسمى صاحبة: قول الله - تعالى-: ((وصاحبته وأخيه))([4])
فالزوجة تسمى صاحبة، والزوج صاحبها؛ لأن بينهما مصاحبة، يصاحبها في هذه الحياة بالعشرة الزوجية، فقال: (أين صاحبك؟) فقالت: انطلق يستعذب لنا الماء فرحبت بهم قائلة: مرحباً وأهلاً، وتركتهم يدخلون.
سابعاً: إدخال المرأة البيت من يرضاه زوجها:
يجوز للمرأة أن تدخل إلى بيت زوجها من كانت تعلم يقيناً أن زوجها لا يمانع في دخوله، أما إذا كان زوجها منعها من إدخال فلان من الناس، فلا يجوز لها أن تدخله، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم-: (لا تأذن في بيته إلا بإذنه)([5])
فلا تدخل أحداً في البيت، لا جاره، ولا قريبه، ولا بعيده إلا لمن أذن.
ثامناً: حرمة الخلوة بالأجنبية:
فالنبي - صلى الله عليه وسلم- جاء ومعه أبو بكر وعمر وهم جماعة من الصالحين، لا يخشى من دخولهم إلى البيت، ولكن ينبغي الحذر الشديد من إدخال الأجانب إلى البيت، إلا إذا كانوا أناساً صالحين تعرف الزوجة يقيناً أن الرجل لا مانع لديه من دخولهم, أما أن يدخل رجل فقط فلا يجوز أن يخلو بالمرأة، ولو كان من أصلح الصالحين!! ولا والله ما مست يدي النبي - صلى الله عليه وسلم- يد امرأة قط ما بايعهن إلا كلاماً من بعيد، والنبي - عليه الصلاة والسلام - ما مست يده في البيعة مع وجود الحاجة للمس في البيعة؛ لأن المبايِع يضع كفه في يد المبايع ويعاهده بالله أن يفعل كذا وكذا, ولا يفعل كذا وكذا مع الحاجة لوضع اليد في البيعة, ومع هذا فالنبي - عليه الصلاة والسلام - ما بايع النساء مصافحة، إنما يبايعهن كلاماً ((إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن... الآية))([6])
قال فيها فبايعهن، فالمبايعة كانت بالكلام، وفي هذا قالت عائشة: [لا والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يد امرأة قط]([7]
)
فإذن لا تجوز الخلوة لا مع صالح ولا مع غير صالح، ولا تجوز المصافحة لا من صالح ولا من غير صالح فهي حرام، أما دخول البيت فيكون بإذن الزوج، أو من كانت تعلم يقيناً أن الزوج لا يمانع في دخولهم، وكانوا صالحين لا يخشى منهم؛ لأن الفاجر إذا دخل فقد يفضي دخوله إلى حرام مع المرأة. وثانياًَ قد يسرق ويهرب. وثالثاً: قد يضع فيه سحراً أو يضع فيه شيئاً، وكم من أناس ابتلوا في بيوتهم بسبب دخول أناس فجرة فسقة إلى البيوت! وقد يطلعون على أسرار في البيوت، فلذلك لا يدخل الإنسان بيته إلا من يثق به خصوصاً في هذا الزمان، فالإنسان في هذا الزمن يجب أن يتحرى في دخول بيته أكثر من أي زمن آخر؛ لأن الفتن فيه قد عمت، وكثرت فيه المحرمات، والفحش والفسوق والعصيان، فيجب الحذر التام من إدخال الأشخاص المشبوهين إلى البيوت.
تاسعاً: تقديم شيء للضيف أثناء انتظار الطعام:
من أدب الضيافة استحباب المبادرة إلى إكرام الضيف بما يتيسر ريثما ينضج الطعام، فإذا جاءك ضيف فجأة، ولم تستعد لطبخ وليمة ولا ذبيحة ولا شيء فتفعل كما فعله هذا الصحابي, أولاً جاء لهم بعذق بسر وتمر ورطب يأكلون من هذا البسر والرطب والبلح لتسكين جوعتهم في البداية, ريثما يصنع لهم طعاماً. وبعضهم استدلوا به على تقديم الفاكهة على الخبز واللحم, وأن الله يقول أيضاً ((وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون))([8])
وأنه قدم الفاكهة على الطعام، لكن الصحيح أنه ليس في هذه الآية ما يدل على ذلك،([9])
فهذا كلام عن نعيم الجنة، ونعيم أهل الجنة يختلف بأنواعه عن نعيم أهل الدنيا، والفاكهة سواء وضعت قبل الطعام أو بعد الطعام فالكل يصح، والأفضل أن يكون على حسب ما تعود عليه الناس.
عاشراً: السؤال عن النعيم يوم القيامة:
سيسأل العبد يوم القيامة عن المباحات وهذه هي الطامة الكبرى؛ لأننا إذا كنا سنسأل عن المباحات فما بالك بغيرها؟! والنبي - صلى الله عليه وسلم- لما فسر الآية فسرها بهذا الشيء الواقعي الذي حصل ((ثم لتسألن يومئذ عن النعيم))10])
فقال لهم: (ظل بارد وماءٌ بارد وفاكهة ولحم لتسألن يومئذٍ عن النعيم) فهذا هو الذي يسأل عنه يوم القيامة! مع أن هذا حصل للنبي - صلى الله عليه وسلم- الظل البارد والماء البارد والفاكهة واللحم - في وجبة واحدة وهي إحدى المرات النادرة في حياته!! ونحن نقول: الحمد لله، فكل يوم - تقريباً - عندنا الظل والماء البارد والفواكه واللحم، فإذا لم يوجد دجاج، فسمك وإذا ما وجد سمك فلحم فاللهم لك الحمد! ونسأ الله العفو والعافية – لا شك أن السؤال سيكون شاقاً علينا- تقول عائشة: ( إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات النبي - صلى الله عليه وسلم- نار)([11])
يعني ليس هناك شيء يطبخ، بل كانوا يأكلون التمر والماء.
الحادية عشرة: الجود من الموجود:
على الإنسان ألا يتكلف فوق طاقته، وعلى الضيف ألا يشق على المضيف، ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (لا تذبحن ذات در) أي: ذات اللبن لا تذبحها، ولكن اتركها للبن؛ لتستفيد منها في الحلب، دع الحلوب لتستفيد منها واذبح غيرها، فيرشد الضيف إلى انتقاء ما لا يضر بمصلحته، أو ما لا يحرمه من الانتفاع به.
الثانية عشرة: المكافأة على المعروف:
فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما طعم عنده سأله، قائلاً له: (هل لك خادم؟) قال: لا، قال: (فإذا أتانا سبي فأتني) ولما أتاه السبي كافأه بعبد على هذه الوجبة.
الثالثة عشرة: مشروعية الاستشارة:
على الإنسان أن يأخذ رأي الصلحاء والعقلاء في اختيار الأشياء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما أحضر الرأسان وأتاه أبو الهيثم قال - عليه الصلاة والسلام -: (اختر منهما) فقال: يا نبي الله! اختر لي أنت، أي أنت: أعلم بمصلحتي من نفسي فاختر لي.
الرابعة عشرة: المستشار مؤتمن([12]):
فالنبي - صلى الله عليه وسلم- قال في حقوق الأخوة: (وإذا استنصحك فانصح له)([13])
فهذا أمر يدل على الوجوب، فلا بد أن تبذل له الوسع في نصحه، فلا تختر له بدون تفكير وتأن، وإنما يجب أن تفكر وتجتهد وتبذل الوسع في الدلالة على الخير، وتخبره هل هذا أفضل له أم غيره؟! وهذه مسألة تحتاج إلى تحر ونظر وتفكير.
صفات المستشار المؤتمن:
أولاً: أن يعرف ظرف المستشير وحاله وقدرته.
ثانياً: أن يفكر وينظر في المسألة.
ثالثاً: يستشعر بأن القضية أمانة.
رابعاً: ألا يكتم رأياً فيه المصلحة لمن استشاره، بل يؤديها بكل نصح ووضوح، لا كما يفعل بعض الناس ويقول: سأشير عليه في أي شيء، قد لا يكون مفيداً أو فائدته بسيطة، وأسبقه إليه فهذا لا يجوز، فما دام قد استشارك وعرض عليك الأمر فلا بد من الوفاء. وبعض الناس من خيانتهم في الإشارة أنهم إذا جاء رجل يقول: عندي صفقة تجارية مع فلان كذا ومع فلان كذا، فيقول له: خذ هذه واترك تلك ويدله على الأقل!! ثم يذهب ويأخذ تلك ويسبقه.. فهذه خيانة، ومن خيانة المستشار أن يكتم المصلحة, ولا يفكر جيداً فيما يشير به.
الخامسة عشرة: بيان خطورة البطانة:
فهذه المرأة لما كانت بطانة صالحة لزوجها أشارت عليه بعتق العبد, والنبي – صلى الله عليه وسلم - لما قال: (إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً, ومن يوق بطانة السوء فقد وقي)([14])
وترجع خطورة البطانة للآتي:
أولاً: لأنهم يعرفون أسرار الإنسان.
ثانياً : لأن العادة - في الغالب - أنه يتأثر منهم، ويقتنع بإشارتهم, ويعمل برأيهم، فإذا كانوا بطانة خير كانت أعماله خيراً؛ لأن البطانة يشيرون عليه بالخير، وإذا كانوا أهل سوء فهو يتأثر بهم؛ لأنهم ندماؤه وجلساؤه وأهل ثقته وخاصته والمقربون إليه! فإن دلوه على شر فإنه سيفعل شراً - في الغالب- فمن وقي بطانة الشر فقد وقي.
السادسة عشرة: الشر محيط بنا!
فالإنسان لا يكاد يسلم من بطانة سوء: إما صديق سوء، أو قريب سوء، أو زوجة سوء، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان) وذلك لأن النفس أمارة بالسوء، فيجب على العبد مجانبة الشر مهما استطاع.
السابعة عشرة: اختيار الخليل الصالح:
فالسعيد من وقي بطانة السوء، وأنه يجب على الإنسان أن ينقي بطانته فينخلهم نخلاً، وينظر في هؤلاء المقربين إليه جلسائه، وأصدقائه ندمائه، وأصحاب سره وأهل ثقته, من منهم الصالح؟! فيحتفظ به ويضعه على رأسه , ومن منهم صاحب السوء؟! فهذا يتخلص منه ويستغني عنه ويبيعه؛ لأنه لا خير للإنسان في الاحتفاظ ببطانة السوء، ولا يكاد يوجد إنسان منا إلا ويختلط بأشخاص سيئين، وأشخاص طيبين، ولكن قد يكون عند الواحد وجود الطيبين أكثر, وعند واحد وجود السيئين أكثر، ولا يسلم أحد من التعرض لشخص سيئ، فينبغي تركه وهجره ومقاطعته والاستغناء عنه.([15])
الثامنة عشرة: أهل الشر يحكمون التخطيط للشر:
كثير من الناس غرضهم الإفساد، فهم لا يقصرون في إفساد العبد، بل يبذلون المحاولات الشديدة لإفساده؛ ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام –: (وبطانة لا تألوه خبالاً) يعني أن هذه البطانة ليس تأثيرها عليه تأثيراً عشوائياً بمجرد وجودهم فقط، وإنما هم يخططون لإفساده، فهم يجتهدون ولا يتركون وسيلة لإفساده إلا سلكوها، ولذلك فإن هذه المسألة في غاية الخطورة؛ لأن هناك أناساً نذروا أنفسهم للشر، يندسون للإفساد، ويشتغلون ليلاً ونهاراً، كما قال –تعالى-: (( بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً)).([16])
التاسعة عشر: أن النفوس عند بعضها:
فبعض الصالحين قد تتوافق مشاعرهم وأحوالهم مع بعض، ومما يثير الانتباه: أن هؤلاء جاعوا معاً وخرجوا معاً بدون اتفاق، فكل واحد خرج من بيته ثم اتضح في النهاية أن سبب الخروج واحد عند الجميع، بدون سبق علم، ولهذا تجد الناس القريبين من بعض، كالأصدقاء والخلان أحياناً تتوافق مشاعرهم على شيء واحد. >>>>>>